التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
المحكمة الأولى هي أول فرق الخوارج، ظهرت بعد معركة صفين، وثاروا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب. فمن المحكمة الأولى؟ وما سبب تسميتهم بهذا الاسم؟ وما
بعد معركة صفين ثارت ثائرة الخوارج على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقالوا له: كيف تُحَكِّم الرجال: لا حكم إلا لله. ثم أظهروا الخروج عليه وكفَّروه ولم يدخلوا معه الكوفة بل انحازوا إلى قرية حروراء القريبة من الكوفة، وأمَّروا عليهم شبث بن ربعي للقتال وعبد الله بن الكواء للصلاة.
وانضمَّ إليهم خلقٌ كثيرٌ من هؤلاء المارقین، فلمَّا علم عليٌّ رضي الله عنه باجتماعهم بحروراء أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فحاجَّهم عبد الله بن عبَّاس ولكنَّ محاجته لم تأتِ بطائلٍ وإن كان رجع بعضهم إلى طاعة الخليفة، فخرج إليهم علي رضي الله عنه ودعاهم إلى لزوم الطاعة ونصحهم ودفع شبههم ووضحت حجَّته عليهم، فاستأمن إليه عبد الله بن الكواء اليشكري مع عشرة من الفرسان، وانحاز الباقون منهم إلى النهروان، وانضمَّ إليهم خلقٌ كثيرٌ من أهل البصرة والكوفة بلغوا اثني عشر ألفًا، وأمَّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي، وفي طريقهم إلى النهروان رأوا رجلًا يهرب منهم قد علَّق في عنقه مصحفًا، فأحاطوا به وقالوا له من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا له: حدِّثنا حديثًا سمعته من أبيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتنةٌ القاعد فيها خير من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي، فمن استطاع أن يكون مقتولًا فلا يكوننَّ قاتلًا»(1). قالوا: فما تقول في أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فأثنى عليهما خيرًا. قالوا: فما تقول في عثمان وعلي رضي الله عنهما فأثنى عليهما خيرًا. قالوا: فما تقول في التحكيم؟ قال: أقول إنَّ عليًّا أعلم بكتاب الله منكم وأشدُّ توقيًا على دينه وأنفذ بصيرة. قالوا: إنَّك لست تتَّبع الهدى إنَّما تتَّبع الرجال على أسمائهم، ثم قالوا له: إنَّ هذا الذي في عنقك -أي المصحف- ليأمرنا بقتلك. قال رحمه الله: ما أحيا القرآن فأحيوه وما أماته فأميتوه؛ فقرَّبوه إلى شاطئ النهر وذبحه رجلٌ منهم يُقال له مسمع بن قدلي، وساوموا رجلًا نصرانيًّا بنخلةٍ له، فقال النصراني: هي لكم. فقالوا: والله ما كنَّا نأخذها إلا بثمن. فقال: ما أعجب هذا؟ أتقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون منَّا نخلة فتواصوا بالنصراني خيرًا.
وقال بعضهم لبعض: احفظوا ذمَّة نبيِّكم. ثم دخلوا بيت عبد الله بن خباب فقتلوا ولده وبقروا بطن أم ولده، فلمَّا وصلوا النهروان -وهي قرى بين واسط وبغداد- عسكروا بها، وانتهی خبرهم إلى عليٍّ رضي الله عنه فسار إليهم في أربعة آلافٍ من أصحابه وبين يديه عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه وهو يقول:
نسير إذا ما كاع قوم وبلدوا برایات صدق كالنسور الخوافق
إلى شر قوم من شراة تحزبوا وعادوا إله الناس رب المشارق
طغاة عماة مارقين عن الهدى وكل يرى في قوله غير صادق
فلمَّا قرب علي منهم أرسل إليهم أن سلِّموا قاتِل عبد الله بن خبَّاب، فقالوا: كلُّنا قتله، ولئن ظفرنا بك قتلناك. فتهيَّأ رضي الله عنه لقتالهم، وقبل بدء القتال سألهم ماذا نقمتم مني؟ قالوا: نقمنا منك أنَّا قاتلنا بين يديك يوم الجمل فلمَّا انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في معسكرهم من المال ومنعتنا من سبي نسائهم وذراريهم، فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرية؟ فقال رضي الله عنه: إنَّما أبحت لكم أموالهم بدلًا عمَّا كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومي عليهم، أمَّا النساء والذرية فلم يُقاتلونا وكان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام، ثم لو أبحت لكم النساء أيُّكم كان يأخذ عائشة في سهمه؟! فخجل القوم، ثم كلَّما ذكروا شبهةً من شبههم الباطلة دحضها رضي الله عنه بالحجَّة البالغة معتمدًا على كتاب الله تعالی وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثَّر بیانه رضي الله عنه فيهم فقال أكثرهم: صدق الله وأعلن التوبة وانحاز إليه منهم ثمانية آلاف مقاتل، وأصرَّ أربعة آلافٍ على القتال بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي ومساعده حرقوص بن زهير البجلي ذي الثدية قبَّحه الله. وطلب عليٌّ رضي الله عنه من التائبين أن يكونوا على منأى من الحرب حتى يفصل الله بينه وبين هؤلاء المارقين، ثم نشب القتال بين الفريقين وكانت الدائرة على الخوارج فلم ينجُ منهم غير تسعةٍ وقُتِلَ الباقون.
أمَّا هؤلاء التسعة فقد فرَّ منهم اثنان إلى عُمان، واثنان إلى کرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحدٌ إلى تلِّ مور باليمن، ولم يُقْتَل من جيش الخليفة الراشد غیر تسعة، وبعد انتهاء المعركة قال عليٌّ رضي الله عنه لأصحابه: أطلبوا ذا الثدية. فوجدوه بین القتلى ورأوا تحت يده اليمنى عند الإبط مثل ثدي المرأة، فقال علي رضي الله عنه: صدق الله ورسوله.
خلاصة مذهب المحكمة الأولى:
[۱] - تکفیر عثمان وعلي رضي الله عنهما، وأصحاب الجمل والحَكَمَين ومن رضي بالتحكيم أو صوَّب الحكمين أو أحدهما.
[۲] - وجوب عزل الإمام أو قتله إذا جار ولو في نظرهم فقط.
[۳] - جواز أن لا يكون إمامٌ للمسلمين أصلًا.
[4] - جواز قتل الأطفال والنساء.
[5] - تكفير مرتكب الذنوب.
[6] - لا تصح مناكحة من لا يُكفِّر عليًّا وعثمان ومن يرون كفره.
[۷] - تكفير جميع مخالفيهم.
المصدر: الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة لعبد القادر شيبة الحمد.
(1) الهيثمي: مجمع الزوائد 7/305، قال المحدث: لم أعرف الرجل الذي من عبد القيس وبقية رجاله رجال الصحيح. والبوصيري: إتحاف الخيرة المهرة 8/51، حكم المحدث: في إسناده راو لم يسم.
التعليقات
إرسال تعليقك